جيراسا او جرشو اسم جرش القديم

تاريخ مدينة جرش  

تقع مدينة جرش ضمن منطقة الجبال الشمالية في الأردن، والمعروفة تاريخياً باسم جبال جلعاد، على بعد حوالي 40 كم شمال مدينة عمان، ويمكن الوصول إليها بواسطة السيارة بـ 45 دقيقة، وتقع على واد يعرف باسم سيل جرش، يصب في نهر الزرقاء (يبوق)، وهي إحدى المدن الرومانية المهمة في الشرق، وعضو في حلف المدن العشر (الديكابولس)، وبقيت معظم آثارها محفوظة، ولم تتعرض لأعمال التدمير، والنهب، والتخريب، والقلع البشرية، ولذا تعد أفضل مثال للمدينة الرومانية في المنطقة.
مدونة الراعوش

جاءت الشواهد الأثرية عن النشاط البشري في جرش من خارج أسوار المدينة الرومانية، فعلى بعد حوالي 100م جنوب شرق بوابة هادريان يوجد موقع أبو الصوان الذي تعود الآلات والأدوات الصوانية التي عثر عليها في الموقع إلى العصر الحجري الحديث 800-4500 ق.م.
كما توجد مواقع أخرى على التلال المحيط بمدينة جرش من الشمال والشرق، تؤرخ إلى العصر الحجري النحاسي 4500 ـ 3200 ق . م، بالإضافة إلى وجود كسر فخارية تعود للعصور البرونزية، والحديدية عثر عليها في مدينة جرش نفسها.
أطلق على المدينة تسمية ((Gerasa )) وهو تحريف للاسم السامي للمدينة ((جرشو)) الذي ورد في إحدى الكتابات النبطية من البترا ، وكذلك لقبت المدينة بـ(( انطاكيا على نهر الذهب)) ((Antioch on the Chrysorhoas )) والمقصود بنهر الذهب هو سيل جرش الذي يمر وسط المدينة ويصب في نهر الزرقاء ((يبوق قديما)).
ترى بعض النظريات إن المدينة هي من تأسيس الاسكندر الكبير، أو احد قادته برديكاس، أو انتيجونس، في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد وبداية القرن الثالث قبل الميلاد، ولكن معظم الشواهد تشير إلى أن تحول الاستيطان في جرش إلى مدينة هلنستية جاء بعد سيطرة انطيوخس الثالث (223-187ق.م) على المنطقة.
وتشير الدلائل الكتابية والأثرية إلى أن سور المدينة الهلنستي تأسس في القرن الثاني قبل الميلاد، وأقدم نص تاريخي عن هذه المدينة ورد في كتابات الكتاب اليهودي الروماني جوزيفويس الذي يذكر بأن ثيودوروس طاغية فيلادلفيا قد أودع جزءً من كنوزه في معبد زيوس في جرش، وعثرت التنقيبات الأثرية على أرضية حجرية أسفل أساسات جدران معبد زيوس تعود لحوالي منتصف القرن الثاني قبل الميلاد.
في عام 103 ق. م استطاع الاسكندر ينايوس القائد الحشموني المكابي السيطرة على المدن الهلنسية في شرق الأردن مثل بيلا ، وجدارا ، وديون ، وأبيلا ، ومادبا ، عدا مدينتي عمان وجرش اللتين بقيتا في حكم الطاغية الملك زينون وابنه ثيودروس، وفيما بعد دخل المكابيون في صراع مع الأنباط في هذه المناطق والتي يبدو إنها خضعت للسيطرة النبطية مدة من الزمان قبل قدوم الرومان .
وفي عام 64 ق. م قام القائد الروماني بومبي باحتلال الشرق وأنشأ فيه عدداً من الولايات من بينها ولاية سوريا، حيث تبعت مدينة جرش لهذه الولاية، واستخدمت المدينة منذ هذا التاريخ التقويم البومبيائي الذي يبدأ في عام 64 ق. م، وتمتعت المدن الهلنستية بما فيها مدينة جرش بحكم ذاتي، وضمت إلى الحلف الجديد الذي أنشاه بومبي، وهو حلف المدن العشر (ديكابولس)، وتمتعت المدينة منذ هذا التاريخ وحتى منتصف القرن الأول الميلادي بالهدوء والسلام، وازدهرت تجارتها مع الأنباط ، حيث عثر فيها على العديد من القطع النقدية التي تعود لزمن الحارث الرابع ملك الأنباط (9 ق. م – 40 م)، وعلاقة الأنباط مع المدينة سابقة لهذا التاريخ كما ذكرنا، فقد عثر كذلك على حجارة منحوتة بأسلوب (خطوط الغراب) المعروفة في العمارة النبطية، كما عثر على نقش ثنائي اللغة نبطي – يوناني، ونقش آخر يعود لمعبد ربما كان مكرساً للإله النبطي ذو الشرى، وقد عثر على كل ذلك في منطقة واحدة هي ساحة النافورة والكاتدرائية، وربما أن هذا المعبد كان موجوداً أسفل الكاتدرائية .
مع منتصف القرن الأول الميلادي بدأت المدينة بالانطلاق ببرنامج كامل من عملية إعادة البناء، فعمل المخطط الشامل للمدينة وأساسه الشارع المعمد ويقاطعه شارعان آخران في منطقتي المصلبتين الجنوبية والشمالية ، وانتهى بناء سور المدينة في عام 75/76 م، وبدأ بناء وتجديد لمعبد زيوس حوالي عام22/ 23 م ، وبقي قيد الإنشاء في عام 69/70 م، بدعم من مواطني المدينة الأثرياء، وفي نفس الوقت بني المسرح الجنوبي، وبني معبد ارتيمس بمدخله المعمد Portico، وزود ببركة ماء، واحتوى على مصلى خاص بالإمبراطور طيباريوس.
استمرت هذه الإعمال البنائية وزادت في القرن الثاني الميلادي بعد أن قام الإمبراطور تراجان بضم مملكة الأنباط عام 106 م ، وقام بإنشاء شبكة من الطرق، حيث أصبحت مدينة جرش محطة مهمة على هذه الطرق، مما زاد في غناها وثرائها، فأعيد بناء البوابة الشمالية في عام 115م، وبني حمامان ضخمان واللذان يمثلان حياه الرفاهة لسكان المدينة في ذلك الوقت.
في عام 129-130 م قام الإمبراطور هادريان بزيارة شخصية للمدينة وأقام فيها جزءً من ذلك العام، وكان قدومه بداية لنشاط معماري جديد، فأنشأ قوس هادريان احتفالاً بهذه الزيارة وأطلق على المدينة لقب جرش الهادريانية احتفاءً بقدومه.
يعد القرن الثاني الميلادي العصر الذهبي للمدينة، حيث أنشأت معظم المباني الباقية في مدينة جرش حتى الوقت الحاضر، فتمت توسعة شارع الأعمدة بدءً من الساحة الرئيسية وحتى معبد آرتميس، واستبدلت أعمدته الأيونية بأعمدة كورنثية، وإعيد بناء معبد آرتميس ببوابته الضخمة من جهة الشارع ، والتي كرست في عام 150 م ، وأعيد بناء معبد زيوس عام 163م ، وبناء النمفيوم عام 191 م .
يوجد العديد من الكتابات من هذه الفترة التي تسجل وتكرس أعمدة وتماثيل ومذابح ونصباً دينية وأبنية، وبعض هذه الكتابات تشير إلى وجود العديد من الكهنة لعبادة الإمبراطور ووجود مصليات لعديد من الالهه مثل زيوس هليوس سيرابيس، وزيوس بوسيديون، وايزيس وابوللو، وديانا، وتشير الكتابات أيضاً إلى أسماء العديد من حكام الولاية، والموظفين، وجنوداً من الفيلق الثالث كيرينايكا CYRENAICA ، والفيلق العاشر جامينا GEMINA، ووصلت المدينة إلى قمة ازدهارها في القرن الثالث الميلادي، حيث رفعت المدينة إلى مستوى مستوطنة COLONY، ولكنها بدأت الانحدار بعد ذلك نتيجة الحرب مع بلاد فارس في الشرق ، وتغير طرق التجارة، ودخول القبائل العربية إلى المنطقة ، وضعف الأمن.
مع منتصف القرن الرابع الميلادي كان يوجد في جرش مجتمع مسيحي كبير، وازدهرت الكاتدرائية، وساحة النافورة، ومثلث جرش في مجمع سلوقية الكنسي عام 359 م، من قبل الأسقف Exeresius  ومثلها الاسقف Plancus  في مجمع خلقدونية عام 451م.
في الأعوام 440-442 م أجريت أعمال صيانة في التحصينات الدفاعية، وفي الأعوام 464-465 م بنيت كنيسة الرسل، وكنيسة سانت ثيودور، وأعيد تشكيل ساحة النافورة.
وفي عهد الأمبراطور جستنيان (531- 565 م)  بني ما لا يقل عن سبع كنائس. وهذه الأعمال البنائية اعتمدت على الأبنية الرومانية السابقة في مادتها الخام وبخاصة المعابد، وأعيد استعمال ساحة معبد آرتميس كأفران للفخار.
في عام 614م تعرضت المدينة للغزو الفارسي واستخدمت القوات الغازية مبنى الهيبودروم كمكان لإقامتها .
في عام 636 م دخلت المدينة تحت الحكم العربي الإسلامي، وتعرضت لسلسلة من الهزات الأرضية، التي دمرت الكثير من أبنيتها وكنائسها، ويوجد العديد من الأبنية ومسجد كبير يعود للعصر الأموي في المدينة.
حوَل معبد آرتميس إلى قلعة في القرن الثاني عشر الميلادي ، وسكنته حامية تتبع أتابك دمشق، واحتلها بلدوين الثاني ملك القدس الصليبي( 1118-1131م)، ودمرت المدينة وبقيت كذلك حتى قامت الدولة العثمانية بإسكان مجموعة من الشركس فيها عام 1878م .



شكرا لتعليقك