العصور الكلاسيكية في الاردن والمشرق العربي


الإطار التاريخي للعصور الكلاسيكية في الاردن 

     تشمل العصور الكلاسيكية المرحلة الزمنية الممتدة ما بين عامي 332 ق . م – 636 م , أي ما يقارب الألف عام ، بدءً من احتلال اليونان لمناطق الشرق , وحتى عودة السيطرة السياسية مرة أخرى في مرحلة الفتوح الإسلامية , وهي مراحل السيطرة العسكرية الغربية على المنطقة , ومرحلة من التمازج الحضاري بينهما , وتقسم هذه العصور في الأردن إلى : العصر الهلنستي ويمتد ما بين عامي 332 ق . م – 64 ق . م ، والعصر الروماني ما بين عامي 64 ق . م – 324 م , ويتداخل ما بين هذين العصرين دولة مستقلة في أجزاء كبيرة من الأردن وجنوب سوريا وجنوب فلسطين ، وسيناء ، وشمال الجزيرة العربية ، وهي دولة الأنباط التي يمتد وجودها السياسي مابين عامي 312 ق . م – 106 م ، أما العصر الأخير فهو امتداد للعصر الروماني ، وأطلق عليه الباحثون اسم العصر البيزنطي نسبة إلى العاصمة الجديدة بيزنطة (القسطنطينية) ، بعد انقسام الدولة الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي ، وقد تميز القسم الشرقي بديانته الجديدة ، الديانة المسيحية ، وبثقافته ولغته الرسمية اليونانية ، ويمتد هذا العصر ما بين عامي 324 – 636 م .
مدونة الراعوش

    بدأ العصر الهلنستي مع دخول الاسكندر المقدوني (الكبير) إلى الشرق ، وقضائه على الدولة الفارسية ، وضمها إلى دولته عام 332 ق. م ، وشكل إمبراطورية واسعة دمج فيها الغرب مع الشرق ، محاولاً تحقيق حلمه بإقامة إمبراطورية عالمية ، وقد أطلق الباحثون على هذا العصر اسم العصر الهلنستي من الكلمة اليونانية (هلينيزو) والتي تعني محب اليونان والثقافة اليونانية ، فلم تكن هذه الحضارة يونانية خالصة ، ولا هي شرقية خالصة ، بل يوجد مزيج بين الحضارتين ، فضلاً على أن بلاد اليونان لم تعد المركز الوحيد لهذه الحضارة ، حيث وجدت مراكز حضارية جديدة من أهمها : مدينة الأسكندرية في مصر بمكتبتها المشهورة ، ومدينة أنطاكية في سوريا ، ومدينة جدارا (أم قيس) في الأردن مدينة الشعراء ، والفلاسفة . وبعد وفاة الأسكندر ، ونتيجة عدم وجود وريث له ، قامت النزاعات بين قادته ، وانتهت هذه النزاعات بان قسمت الإمبراطورية الكبيرة التي خلفها بين قادته ، فأصبحت مناطق شمال سوريا ، والمشرق من نصيب القائد (سلوقس) مؤسس الدولة السلوقية وعاصمتها أنطاكية ، وجنوب سوريا ومصر من نصيب (بطليموس) ، مؤسس الدولة البطلمية ، وعاصمتها الأسكندرية .
      أصبحت منطقة جنوب سوريا منطقة نزاع دائم بين السلوقيين والبطالمة ، وجرت في القرن الثالث قبل الميلاد خمسة حروب بين الطرفين ، تسمى الحروب السورية ، حتى استطاع أنطيوخس الثالث أن يهزم البطالمة في معركة بانيوم ويعيد توحيد سوريا الطبيعية حوالي عام 200ق. م.
     قام الأسكندر ببناء المدن في سوريا والمناطق التي احتلها ، ومن بين هذه المدن حسب ما يذكر المؤرخون مدينة جرش ، حيث توجد قطعة نقد تذكر أن الاسكندر الأكبر هو مؤسس المدينة ، كما ينسب إليه تأسيس مدينة كابيتولياس (بيت راس) من خلال قطعة نقد أيضاً . كان الأعمار البطلمي في المناطق التي كانت تتبع له قليلة ، وتمثلت في إضفاء أسماء جديدة على المدن القائمة مثل فيلادلفيا (ربة عمون) . بعد معركة بانيوم قسمت سوريا الجنوبية إلى أربع مرزبانات (ولايات) هي فينيقيا ، سوريا الجوفاء ، أدوميا ، فلسطين . نتيجة الصراعات بين الأسرة السلوقية الحاكمة بدأ ظهور إمارات مستقلة ، متصارعة فيما بينها ، منها الأسرة المكابية في فلسطين ، واليطوريون في شرق لبنان وأعالي نهر الأردن ، والأنباط في جنوب الأردن و حوران.
    امتد تأثير الحضارة اليونانية جنوباً حتى مدينة عمان ووادي السير ، وتمثلت المحاولات للامتداد جنوباً بغزوتين فاشلتين لليونان على مناطق الأنباط في جنوب الأردن عام 312 ق. م ، ومحاولة الدولة البطلمية السيطرة على خليج العقبة للتحكم بالطرق التجارية البحرية في البحر الأحمر ، وقد جوبهت هذه المحاولـة بقيام الأنباط بمهاجمة السفن البطلمية . تميز العصر الهلنستي بالغزو الحضاري ، والثقافي اليوناني من خلال تأسيس المدن على الطراز اليوناني من ناحية المخطط المعماري ، والأبنية العامة ، ونشر الثقافة اليونانية، واللغة اليونانية في المدن ، بينما بقيت اللغة الآرامية في الأرياف ، وهذا أدى إلى مزج بين الحضارتين اليونانية الغربية والحضارات الشرقية مما دعا العلماء إلى تسمية هذا العصر باسم العصر الهلنستي.
    ومن أهم المظاهر الحضارية اليونانية المسرح اليوناني ، الذي بدأ في أساسه دينياً للاحتفال بأعياد الإله اليوناني ديونوسيوس إله الخمر ، ثم أصبح له دوره الحضاري ، والثقافي المستقل ، ويتكون المسرح من الأجزاء الرئيسة الآتية : الاوركسترا (ساحة الرقص)، وغرفة الممثلين ، وخشبة المسرح ، ومدرجات المشاهدين التي يصل عدد المشاهدين فيها إلى أعداد كبيرة ، تصل أحياناً إلى أكثر من 10 ألاف مشاهد ، مما يتطلب الاهتمام بعملية الصـوت ، ووصوله إلى كافة المشاهدين . أما الفن اليوناني ، وبخاصة فن النحت ، فقد كان فناً دنيوياً ، ففي الشرق كان الفن موجهاً للآلهة والملوك ، فهو فوق المستوى الإنساني ، ونلاحظ فيه الرصانة والجمود في الحركة ، بينما تظهر المنحوتات اليونانية بتفاصيل بشرية ، مع إظهار الليونة وحركات الجسم ، والتعبير وصلتها بالملابس، وغالباً ما يكون التمثال اليوناني عارياً . وفي مجال تخطيط المدن فقد ظهر لدى اليونانيين التخطيط الهندسي المنتظم ، الذي تتقاطع فيه الشوارع طولاً وعرضاً بزوايا قائمة ، وتتوزع فيه الساحات بشكل منتظم في العصر الهلنستي ، وقد ظهرت فكرة التخطيط الهندسي من قبل المهندس اليوناني هبدوداموس منذ القرن الخامس قبل الميلاد . أما في مجال العمارة فتتميز العمارة اليونانية بالبناء الحجري والأعمدة ، والأسقف ذات شكل الجملون الذي يعلو الواجهة، ويتداخل النحت مع العمارة ، ويتقدم المبنى عادة مدخل مفتوح مسقوف Portico وتحيط به الأعمدة Colonnade ، ولدى اليونانيين ثلاثة طرز معمارية ، هي الطراز الدوري ، والطراز الأيوني ، والطراز الكورنثي ، وطراز العمود هو الذي يحدد الطراز المعماري ، فالعمود الدوري ذو تاج مربع دون زخارف ، أما تاج العمود الأيوني فهو على شكل حلزوني ، أما تاج العمود الكورنثي فيتكون من أوراق نبتة الأكانثوس .
    في مرحلة القرن الثالث قبل الميلاد استطاع الأنباط توسيع مملكتهم إلى الشمال مستغلين العداء بين البطالمة والسلوقيين ، وخلال حكم أنتيجونس الثالث تمكن شخص عموني من الأسرة الطوبية ، من أنشاء دولة صغيرة في أراضي عمون ، مركزها عراق الأمير ، حيث سيطر على المنطقة لمدة 12 سنة ، واضطر أنطيوخوس الرابع لإرسال حملة للقضاء عليه عام 175م.
     في نفس الفترة (انطيوخس الرابع) بدأت الثورة التي قادها يهوذا المكابي ، واستطاع أن ينتصر على اليونان خلال السنوات 167 – 165 ق . م ، وفي عام 164 ق. م ، وبعد وفاة انطيوخس الرابع بدأ يهوذا بتوسيع مملكته بغزو عمون.
   أما الأنباط فقد احتفظوا باستقلالهم ، ووسعوا نفوذهم شمالاً ، وجرت عدة حروب بينهم وبين المكابيين ، وتصدوا لمحاولات المكابيين في التوسع في مناطق شرق الأردن ، وجنوب سوريا ، وحوران . واستطاعوا في فترة الحارثة الثالث (87 – 62 ق. م) السيطرة على مدينة دمشق ، وتلقب الحارث الثالث بالمحب للهللينيه ، وكان للأنباط نفوذهم وتأثيرهم حتى في مدن الديكابولس .
     في عام 64 ق.م دخل الرومان إلى سوريا بقيادة بومبي ، وقد أسس هذا القائد الحلف المعروف باسم حلف الديكابولس ، المكون من عدد من المدن اليونانية السابقة من بينها سكايثويولس (بيسان) بيلا (طبقة فحل) ، دمشق ، قنوات (كناثا) ، جيراسا (جرش) ، (فيلادلفيا) عمان . في عام 40 ق . م عين هيرود الكبير ملكاً على اليهود بمساعدة الرومان، وأضيفت له مناطق أخرى في شرق الأردن ، وجنوب سوريا ، وبعد وفاة هيرود نلاحظ أن شرق الأردن انقسم إلى ثلاث مناطق هي حلف الديكابولس في الشمال وهو مستقل استقلالاً داخلياً , وفي الوسط مملكة بيريا (من الزرقاء إلى الموجب باستثناء عمان) وظلت خاضعة للمملكة اليهودية في فلسطين ، وفي الجنوب مملكة الأنباط .
شكرا لتعليقك