المكان الذي شهد مقتل النبي يحيى
على بعد نحو 70 كيلومترا الى الجنوب من العاصمة عمان،و36 كم جنوب مأدبا تقع قلعة (مكاور) "مكايروس" التي سميت بذلك لاستدارة قلعتها، وورد ذكرها ضمن
خارطة الفسيفساء التي سجلت أسماء العديد من المواقع التاريخية.
وتشتهر مكاور بوجود "قلعة مكاور التاريخية والدينية" على تل
مخروطي الشكل يبلغ ارتفاعه (1125) مترا عن سطح البحر وتشرف هذه القلعة على حمامات
ماعين ومحمية الموجب وجبال فلسطين والبحر الميت.
وقد بنى القلعة هيرودوس في القرن الأول ميلادي لصد غزوات الأنباط آنذاك،
ولا تزال بقايا قصر هيرودوس قائمة حتى الآن الذي بناه للراحة والترفيه وبقايا
كنائس وأبراج والسور المحيط بالقلعة وبعض البيوت التي بنيت في أسفل القلعة وفي
سفوح الجبل لعائلات الحراسة.
وعلى هذه القلعة رقصت "سالومي" في عيد ميلاد هيرودوس ووعدها بأن
يلبي لها كل ما تريد فطلبت رأس النبي يحيى عليه السلام "يوحنا المعمدان"
إذ كان في السجن فقطع هيرودوس رأس المعمدان وقدمه لسالومي الراقصة على طبق من ذهب
ولا يزال كهف المشنقة باقيا حتى الآن وسط القلعة.
وقد اثبتت الحفريات القائمة منذ عام 1878 باشراف الآباء الفرسيسكان التي ترأسها
الأب كوربو بأن هذا الموقع يرجع إلى حقبتين
رئيسيتين وهي العهد المكابي (90-85) قبل الميلاد والعهد الهيرودي (30 قبل الميلاد-70
ميلادي).. وفي عام 90 قبل الميلاد بنى اسكندر جانووس المكابي على قمة قلعة مكاور
قلعة حصينة ليقف في وجه الأنباط الذين كانوا يسيطرون على الطريق السلطاني وعلى
مدينة مأدبا، وظهرت من آثار القلعة الأبراج على القمة وعلى السفح الشمالي، حيث
تكثر آبار السماء التي تغذيها قناة تمتد من التل المقابل.
ولقد دمر هذه القلعة الحاكم الروماني "غابينوس" سنة 57 قبل
الميلاد بأمر من القائد الروماني "بومبي" وفي سنة 30 قبل الميلاد أعاد
هيرودوس بناء القلعة وبنى في داخلها قصرا اشتمل على حمامات وايوانيين للضيافة
وأمامها ساحة تحيط بها الأعمدة وإلى القرب من الحمامات عدة مرافق وكان هذا القصر
مطليا بالجبص الملون وتزينه الأعمدة.
قتل النبي يحيى
وبعد موت هيرودوس تسلم القلعة ابنه "هيرودوس انتيباس" الذي سجن
النبي يحيى عليه السلام انتقاما منه لتأنيبه له على اتخاذ زوجة اخيه الحي زوجة له
وتقديمه هدية لابنتها الراقصة سالومي وذلك حسب رواية المؤرخ يوسيفوس.
حيث كان هيرودوس قد أقام حفلا كبيرا رقصت به سالومي وهي عارية فأعجب بها
وطلب منها أن تطلب ما تشاء وسيلبيه لها حتى لو طلبت القلعة.. وعندما استشارت أمها
في ذلك استغلت هيروديا الموقف للانتقام من النبي يحيى عليه السلام الذي عارض
زواجها وأشارت عليها أن تطلب رأس يوحنا المعمدان، فما كان من الملك إلا أن لبى
طلبها على الفور وأمر بإحضار رأس النبي يحيى على طبق من ذهب للراقصة، ويقال إن
حجارة القلعة قد انفجرت في ذلك الوقت وتناثرت في كل مكان في القلعة.
وقد بقيت القلعة في يد أبناء هيرودوس حتى استولى الرومان عليها سنة 44 قبل
الميلاد وحينما اندلعت الثورة فرت الحامية الرومانية من القلعة فدخلها الثوار، إلا
أن القوات الرومانية رجعت اليها وحاصرتها ثم استولت عليها سنة 72 ميلادية كاملا.
القلعة والمأساة:
وقدر لقلعة مكاور أن تعود لتأخذ مكانها في التاريخ عندها زارها الرحالة
الألماني "سيتزن" في يناير 1807 ميلادية الذي قدم وصفا متواضعا لها،
ولكنه كان كافيا لإثارة شهية الرحالة والباحثين الغربيين، الذين وجدوا في الأرض
المقدسة، مكانا بكرا، لتفحص مواقع الكتاب المقدس المفترض بشكل متأن، والأمر الذي
لم يحدث منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية.
وفي فبراير 1872 ميلادية وصل الدكتور "هـ.ب.ترسترام" على رأس
بعثة بريطانية إلى المكان، ليقدم وصفا هو الأهم لقلعة مكاور ضمن رحلته في تلك
الأرض العذراء، حتى ذلك الزمن.
وتحديد القلعة كمكان لوقوع تلك المأساة قديم، وذكره المؤرخ "يوسيفوس
فلافيوس" ولكن القلعة الرومانية الأصل التي أعاد هيرودوس بناءها، دمرت فيما
بعد على يد الرومان، وتشير الدلائل إلى أنها طويت في ثنايا التاريخ، رغم أن
الاستيطان البشري استمر في بلدة مكاور نفسها، في العهد البيزنطي، وبعد سقوط البلاد
بيد العرب، الذي يدب أحفادهم الحمايدة الآن على هذه المنطقة منها.
اكتشاف المغارة
وقبل سنوات حضر عالم آثار ألماني وقال: "أعلم مكان سجن وقطع رأس يوحنا
المعمدان وسأكشفه للعالم"، وسار بثقة إلى سفح الجبل الشمالي الشرقي، وأمر
بالحفر هناك، حيث عثر على مغارة مستطيلة، تشبه في هندستها ما تركه مهندسو هيرودوس
في قلاعه الفلسطينية، وفيها عثر على ما صنفه العالم الألماني أجزاء من المشنقة
المفترضة التي علق عليها يوحنا المعمدان ليقدم رأسه على طبق من ذهب إلى سالومي.
وتوجد بالقرب من مكاور بلدة يطلق عليها (الزينة) ولكن بعض أفراد من
الحمايدة قالوا أن الاسم تحريفا عن (الزانية) والمقصود سالومي، ويعرفونها بأنها
القرية التي عاشت فيها الراقصة المثيرة، ويبدو أن "لعنة سالومي" طالت
سكان قرية (الزينة) الأردنيين، الذين هجروها بسبب عدم وصول الخدمات الحديثة إليها.
محول الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء ركن الاسئلنة