عراق الامير
على بعد عشرين كيلو مترا من عمان تقع قرية عراق الامير ويعود تاريخ هذه القرية الى سنة 360 ق.م عندما استقر قوم من العمونيين بقيادة أميرهم طوبيا في منطقة وادي السير , وورد اسم طوبيا في مخطوطات "زينون" التي عثر عليها في الفيوم بمصر وكان زينون في زمن بطليموس الثاني كاتبا لوزير المالية كما يذكر كتاب " الاردن تاريخ وحضارة" لمؤلفه لويس مخلوف.
وجاء في كراسة الهيئة المشاركة لاثار الاردن الصادرة عن المعهد الفرنسي لاثار الشرق الادنى سنة 84 , ان موقع عراق الامير معروف حيدا لدى المتنزهين وعلماء الاثار , فالانقاض الجاثمة وسط الحقول الزراعية وقنوات الري الزي يعود أول يتنظيم لها الى القدم , تتواجد على مدرج طبيعي محاط بالمنحدرات الصخرية ويجتازه مجرى وادي السير السحيق.
وقد لفتت اصالة هذه الانقاض ومنذ قرنين من الزمان تقريبا انتباه المستكشفين وعلماء الاثار, فقدمت اعمالهم منذ اكتشاف الموقع 1918 معلومات غزيرة وافرة. وفي عام 1976 استأنف المعهد الفرنسي لاثار الشرق الادنى ودائرة الاثار الغامة في الاردن الابحاث في الموقع باشراف السيد " فيل " وبمساعدة السيد فوزي زيادين .
حفريات بول لاب :
السيد بول لاب من المدرسة الامريكية قام بحفريات خلال الفترة من 10 نيسان الى 15 ايار سنة 1961 ,كما ذكر كتاب " الاردن تاريخ وحضارة " للويس مخلوف وشملت هذه الحفريات مايلي:
عراق الامير :
وهو بناء مرتفع عن سطح البحر 494 مترا, ويمتد من الشمال الى الجنوب بطول مقداره خمسمائة مترا , ويرتفع من 25 الى 30 مترا . ولقد حفر في الصخر ويتكون من دورين : الاول يتألف من خمس غرف واسعه والثاني من تسع , ولقد استعملت هذه الغرف للسكن ومستودعات التموين واسطبلات للخيول . ولا تزال هناك كتابة ظاهرة على احدى بوابات الغرف السفلى وتحمل اسم طوبيا .وقد سمي عراق الامير بهذا الاسم لان مدخله يشبه باب المغارة والامير هو طوبيا .
قصر العبد :
ويرتفع عن سطح البحر 457 مترا ,ويقع على بعد نصف كم من عراق الامير , ويبلغ طوله 38 مترا بعرض مقداره ثمانية عشر مترا , ويرتفع فوق ساحة اصطناعية يبلغ ارتفاعها اربعة امتار ونصف المتر وقد احيط بحوض كانت تصل اليه المياه من الينابيع المجاورة ,ومن الجهة الشمالية الشرقية كانت تقف بوابة ضخمة لم يبق منها الا الاثر.
واما القصر نفسه فكان مبنيا من حجارة ضخمة يصل ارتفاع بعضها الى ستة امتار طولا بارتفاع مقداره ثلاثة امتار .وفي الجهة الشمالية الشرقية يبرز رسم اسد حفر على حجر من الرخام الاحمر,وهناك ايضا رسم لبؤة ضخمة واقفة وشبلها بين قدميها حفر على حجر ضخم ويوحي بعظمة الفن وروعته.
ويقول سليمان موسى في كتابه " في ربوع الاردن" من مشاهدات الرحاله – " واثار عراق الامير مدهشة, وفيه حجاره كبيرة لم اشاهد اضخم منها في البلاد الواقعة في الشرق من نهر الاردن باستثناء بعلبك وبصرى , وهناك بركة من اكبر البرك في المنطقة , بل انها لاتساعها اقرب الى ان تكون بحيرة , واما القصر الذي يواجه الشرق فيمتاز بجماله وقوة بنيانه وبموقعه الفريد".
ويعتبر قصر العبد من ابرز الاثار في قرية عراق الامير , ويعود بناء هذا القصر الى اسرة (طوبيا ) حيث بناه هرقان عندما استوطنت اسرته في القرن السادس قبل الميلاد في الاردن. وقد امتد نفوذ هذه الاسره الى ان سيطرت على عمان وضواحيها منذ العهد الفارسي الى اواخر القرن الثاني الميلادي في عهد بطليموس السادس ( 180- 145 ق.م) ,وكان هرقان وابنه يوسف يعملان على جباية الضرائب في فلسطين والاردن بالتعاون مع ملوك مصر من البطالمة , وحين استولى الملك السلوقي انطيوخوس الرابع (175-164ق.م) على سورية الجنوبية اقدم هرقان على الانتحار خوفا من بطشه . جاء ذلك في حولية دائرة الاثار العامه في عددها الثالث والعشرين من عام 1979.
والقصر كما جاء في كراسة الهيئة المشاركة الفرنسية لاثار الاردن يضم طابقا ارضيا "مستودعات وقاعات للحرس ,وطابقا "للسكن والاستقبال " وهناك دهليز ذو اعمدة في الشمال للدخول يقوم على جانبيه بئر من الشرق وحجره صغيرة من الغرب ,ويوصل هذا الدهليز الى دهليز داخلي يقوم على جانبيه حوضان مدهونان يفرغان ماءهما خارجا بواسطة أفواه فهدين منحوتين في قاعدة الجدران,ومن ثم تصل الى مجموعه من الحجرات المركزية المستطيله حيث حجرات تخزين قليله الانارو محاطه بممر يدخل اليه النور من الشرق والغرب بواسطة سلسلة من سبع فتحات (نوافذ ) كبيرة. وفي الجنوب نجد معبرا صغيرا مميزا اتجاهه بدهليز وهمي ذي أعمده ,على جانبيه حجرتان صغيرتان قائمتان في الزوايا.
تاريخ البناء :
الحفريات التجريبية في القصر نفسه قدمت قليلا من الارشادات والدلائل بهذا الخصوص ,بسبب التغيرات (التعديلات)الهامه جدا التي حدثت في العهد البيزنطي.
وبالمقابل فانه كان بالامكان تحديد تاريخ باب الدخول الضخم الموصل الى المنزل (المكتشف في عامي 1977-1978 باشراف السيد دنزر)الواقع على مسافة 150 مترا من القصر , والمبني على نفس النمط تماما في الربع الاول من القرن الثاني قبل الميلاد, ويعود الفضل للخزفيات والعملات التي عثر عليها على الارضية.
وقد عثر في الحفريات على كميه ضئيله من الادوات العائده للعهد الهلنستي .وعلاوه على ذلك تظهر ثفصيلات هندسية قليله من بناء القصر بسبب الهجر المفاجئ أمام تهديد الجيش السلوقي ,وبقي القصر منذ ذلك الحين خاليا من اي استيطان حتى العهد البيزنطي.
وشهد القصر في القرن الرابع الميلادي اعادة استيطان فخمة رفيعة المستوى,وبعد ذلك اقامه جديده اكثر فقرا في القرنين الخامس والسادس الميلاديين.
وتبين كراسة الهيئة المشاركة الفرنسية لاثار الاردن ان التنقيب في "قصر العبد" اتاح فهم هندسة صرح فريد من نوعه يعود تاريخه لحقبه تندر فيها البقايا الاثرية في منطقة الشرق الاوسط وتقوم شاهدا على مرحلة مظلمه من تاريخ المنطقة,عندما كانت تتقابل في شرق الاردن وفلسطين المملكه البطلسيه في مصر والمملكه السلوقيه في سورية والسلالات الصغيرة المحلية كسلالة طوبيا .
وتقول الكراسه : ان القصر هدم فعلا بفعل هزة أرضية حدثت دون شك في القرن الرابع الميلادي وقد بوشر بعمل الترميم البطيئ والصعب للجدران الخارجية في عام 1980من قبل السيد (فرانسوا لارشيه)الذي استطاع بشكل خاص الوصول الى قاعدة الطابق الاول على طول الحائط الغربي المنهار كليا . وكامل الدهليز وحجرات الزوايا الجنوبيه وذلك بواسطة الالصاق الدقيق للحجاره التي غالبا ما تكون محطمه الى العشرات من القطع وتحريك الحجارة التي يبلغ وزنها عشرين طنا , واما ترميم مدخل القصر في الجهه الشمالية فانه صعب جدا اذ يصل وزن الحجاره فيه الى اربعين رطلا.
ويقول الدكتور فوزي زيادين في مقالة له عن قصر العبد في حولية دائرة الاثار العامة في عددها الثالث والعشرين : ان اثار القصر الذي انشئ في القرن الثاني ق.م الذي كان يرتفع في دورين ظاهرة للعيان رغم ما عانته من جراء الزلازل, فالقفص الخارجي للبناء يشكل مستطيلا بلغت اضلاعه 37 × 18.5م , وعلى زواياه اربع ابراج ويحيط به سور , وعند منحدر الوادي الجنوبي اقيم سد لتجميع المياه المنحدرة من النبع وقد فتحت بوابه في الجهة الشرقية كانت تصل اليها طريق القدس وعمان, وقد بين التنقيب عام 1978 وجود الاسود والنسور فوق البوابه , كما ظهرت قطع عملة وكسر فخارية من اوائل القرن الثاني للميلاد.
واسفرت دراسة الحجارة المتساقطة التي يبلغ معظمها 3.36×2.5 م عن مخططات جديدة للواجهات , فالاسود الاربعه التي تعلو المدخل الشمالي يسير كل اثنان منها باتجاه معاكس وفوقها شرفه صغيرة وعلى كل زاويه نسر ملتصق بتاج العمود الكورنثي , اما على الزاوية الشرقية والغربيه فتمثال لبؤة وشبلها تلحق بأسد . وهكذا يبلغ مجموع الاسود التي تزين البناء على الواجهات الاربع سته عشر, وقد وجدت احدى اللبؤات الى الجهه الشماليه الغربية كاملة, ورممت ووضعت في الساحة تمهيدا لاعادتها الى مكانها الاصلي .
الكهوف المنتشرة هناك :
يلاحظ الزائر لمنطقة عراق الامير كثرة الكهوف المنتشره هناك , منها اربعة عشر كهفا متصله بدهاليز محفورة في المنحدر الصخري .
وقد درست البعثة الاردنية هذه الكهوف واسترعى انتباهها كهفان واسعان مستطيلان بسبب اطوالهما وجدرانهما المنظمة التي كانت قديما مغطاة بزخرف بدائي وبكتابتين منقوشتين باللغة الارامية, وهذان الكهفان كانا قبورا لاسياد المكان , فقد جرت محاولة للتنقيب في احدهما غير ان الانهيارات المستمره حالت دون ازالة انقاضها كاملة.
ويرى علماء الاثار ان اثارا غزيرة مطمورة تحت قرية عراق الامير في اسهل الكهوف اذ ان هذا الموقع كان عبارة عن أكمة طبيعية على الوادي والاراضي المزروعه ,وكان يشكل عبر كافة العصور المركز الرئيسي المسكون لكافة هذا القسم من الوادي . ولغاية الان لم تتمكن الدراسات الخاصة في القرية التعرض للنتوء الصخري الجنوبي للقرية , حيث يظهر ان هناك العديد من الاجزاء الهندسية العائده لاسلوب بناء قريب من اسلوب بناء قصر العبد , ويظهر السور القديم وقد خضع عدة مرات للتعديل منذ العهد الفارسي أو القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الاول الميلادي, وظهر ايضا هناك اثار لانشاءات مصغرة في العهود البيزنطية والاموية والايوبية أو المملوكية في اماكن مختلفة من القرية ,وظهر ايضا في منطقة عاليه من القرية بئر مدهونة محفورة في الصخر , كما اكتشف سكن ايوبي أو مملوكي كان قائما في هذه البئر عقب هجرها , وقنوات وانشاءات موصولة بمعصرة وقاعدة برج مستطيل من الحجارة الضخمة خاصة بالسور.
عراق الامير حديثا :
المهندس المعماري توماس كما تذكر كراسة " اثار الاردن " عمل مخططا للقرية في عامي 82 , 1983 كشف من خلالها ان القرية الحديثة تنقسم الى حيين ويوجد فيها ثلاثة انواع من البيوت ,فهناك البيت ذو الحجرة الواحدة والبيت ذو الحجرتين والبيت المتعدد الاجزاء.
ولا شك ان قرية عراق الامير التي تتميز بموقع جميل بحاجة الى البحث والتنقيب عن محتويات اخرى من الاثار التي ستكشف لنا عن ميزة أخرى من ميزات هذه القرية الاثرية البارزة.
ولا بد ان نشير هنا الى أن ما تحتله عراق الامير من مكانه اثرية بارزة بحاجة ماسة من وزارة السياحة ودائرة الاثار العامة ووزارة الاشغال العامة لايلاء هذه المنطقة اهتماما بالغا من حيث تعبيد وتحسين الطرق المؤدية الى القرية بحيث لا يشعر الزائر بالصعوبة وعناء التعب.
هذه هي عراق الامير موقع يجذب السواح وعلماء الاثار والباحثين ليكشفوا كنوزه القديمه ويبرزوا قيمته الزراعية.
محول الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء ركن الاسئلنة